لم تنل بلدة ماحص ما نالته السلط من تاريخ، والفحيص من مكانة ثقافية، و عمان من مكانة اعتبارية.. فبقيت على الهامش بتقصير منا ؟.. من اهلها ؟.. من الحظ ؟… لا يهم المهم أن جمالا وسحرا فضّلا ان يبقيا مختبئين بين تلال وجبال كلؤلؤة افترشت محارة فطاب لها المقام .
ويفصل كيلومتر واحد ما بين الحدود الغربية لأمانة عمان الكبرى حيث توجد منطقة بدر الجديدة وما يجاورها من قصور ملكية, وأميرية تزين المنطقة، وبين ماحص والفحيص اللتين خصهما الملك عبدالله الثاني بـ (صلة الجيرة) فباتتا (جيران القمر)! والقرية الكبيرة تم ترفيعها الى لواء بقرار ملكي في العام (2002)مما أسعد المدينة الشفاغورية التي تلقي تحية الصباح والمساء على جبال القدس وما جاورها من أراض فلسطينية محتلة وتتلقى منها رد التحية بمثلها.
ومن هناك أيضا تلتفت للوراء حيث تقابل جبال البلقاء الشامخة وتعيد قراءة تاريخ السلط الذي يقارب تاريخها الطويل أيضا إذ يعود لأيام الدولة العباسية حيث يشاع ان المدينة أخذت اسمها من (مَحَصَ) و(محّص) الشيء أي دققه وبحث عنه.
وطبقا للحفريات والآثار فقد وجدت شجرتان احداهما تبلغ من العمر 680 عاما وهي من نوع (الملول) وبجانبها شجرة أخرى من السنديان أو البلوط عمرها 400 عاما, بجانب مقام الخضر عليه السلام.
وعلى غير بعيد من مقام الخضر يوجد مسجد ماحص القديم الذي تم بناؤه عام 1941 في البلدة القديمة من طين القناطر (العقود). ويقال بأن المسجد كان مسجدا عمريا تلتقي فيه الجيوش القادمة من الجزيرة العربية في طريق التقائها مع جيوش الشام.
ويسجل للمدينة وجود مدرسة قديمة فيها يعود تاريخها للعام 1961 ومنها تخرج العديد من رجالات المنطقة التي لا يكاد يخلو بيت من بيوتها من وجود حامل لدرجة علمية عليا (تزيد عن البكالوريوس) ولهذا فالمكان يعج بعشرات الحاصلين على درجات عليا علميا وعمليا ناهيك عن العديد من الرتب العسكرية العليا التي تتوشح صدورهم فصار منهم الوزير ورئيس الجامعة والسفير ونجوم تتلألأ في مهن طبية وهندسية وقضائية ومهن أخرى تدين لكفاءتهم وجهدهم الدؤوب بالكثير.
بيوتها كانت تسمى القناطر وتتكون من الحجر والطين وكانت تقسم لقسمين واحد للسكن وآخر للماشية، وان تلك البيوت كانت تقام بتظافر جهود كل أبناء المنطقة الذين كانوا يتعاونون على البناء والتعليم وغيره من أشكال الحياة التي ظلت قائمة على البساطة والطيبة والأخلاق العالية، التي تترجم وتعكس صورة المدينة من الداخل والخارج.
واستوطنت البلدة الخضراء التي تبلغ مساحتها نحو 30 ألف دونم العديد من العائلات كعائلة( الشبلي والشياب والعليوتات والعودات وغيرها) والتي نجحت في تطويب بيوت المنطقة على زمن الأتراك قبل ان تبدأ العائلات تكبر وتتفرع وتنتشر حتى ملأت الجبال والتلال صخبا جميلا وجمالا أخاذا.
وبمرور الوقت بدأ شباب المدينة وشاباتها يتحروون من الملابس البلقاوية التي تعتمد على “القمباز” “الدامر”و” القضاضة أو الشماغ” والعباءة والصاك وغيرها لكنهم لم ولن يتحرروا من حب الأجداد والأهل وفضاء مدينتهم التي تزداد باللون الأخضر التي يحيلها لبساط مليء بالزهور، والعطور!
ويسود النمط الريفي طابع المدينة العام التي ودعت حياة البداوة وتركت مرحلة “الفلاحة” وراءها، وقبل ان تصحو على التحضر الكامل وجدت نفسها بعيدة عن عمان والفحيص كثيرا… فلا هي انضمت لعمان واستغلت عرض الدكتور ممدوح العبادي الأمين السابق فتحصل على آخر مستجدات تطورها.. ولا شكلت أي ضغط على مصانع الاسمنت والشركات الكبرى لنيل مطالب ثقافية او فنية أو مادية تنهض من خلالها بالمراكز الشبابية والأندية والبلدية، ولهذا ظلت على الهامش، تجتر أحزانها على أمل ان تبقى نوافذها مشرعة في وجه رياح التغير التي لا بد أن تطالها بما يكافئ جهد وعطاء وعلم أبنائها، أو ما يناسب جمال طبيعتهما البكر التي لم تستغل للآن، والتي تستقبل زوارها بدفء أهل ومودة حنان وبساطة إنسان.